المركز العالي لتفنيات الفنون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 التكعيبية وجهة نظر جديدة في الرس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير
المدير
المدير
المدير


عدد الرسائل : 148
العمر : 35
تاريخ التسجيل : 04/12/2008

التكعيبية وجهة نظر جديدة في الرس Empty
مُساهمةموضوع: التكعيبية وجهة نظر جديدة في الرس   التكعيبية وجهة نظر جديدة في الرس Empty31/03/09, 10:41 am

في ضوء هذا الفهم يحتاج الفنان إلى تحصينات تنبع من الإرادة والمعرفة التفصيلية بالأشياء فكرياً وتقنياً، حيث التوفيق بين الإرادة والرؤيا، وهو ما سعى إليه "بيكاسو" الذي لم يصنع إرادته بالتضاد مع رؤياه، لأن الرؤيا ذات ضرب يختلف جداً عن الإرادة. فالأخيرة تمثل جهداً متواصلاً لا يستطيع الإنسان أو الفنان أن يبلغ جوهر الأشياء إلا بأقصى توتر للذاتية بمعاونة الحدس بوصفه وثبة مهيبة إلى المجهول. فبيكاسو قد يكون الفنان الوحيد في عصرنا الذي يفعل بالضبط ما يشاء ومتى يشاء، وعشقه للحرية قاده إلى خوض التجربة في الشكل ليرى المدى الذي لا يستطيع أن يبلغه دون الانزلاق في هوة الإسراف غير المسوغ.
وأن فعل القصد الذي يهدف إليه هو الذي يتحكم في التكنيك، ومن الصعب أن يفصل بين القصد والتقنية في تذوق العمل الفني. وهنا تكمن قصدية الفعل المتحد والمتوحد مع الإرادة والرؤيا لإنتاج خطاب جمالي ابتكاري ناتج من المعرفة والشعور الذاتي مع الإيمان بالمنهج المتبع والمستند إلى الخبرة اليومية بالعالم الخارجي و موجوداته.
إن هذه الخبرة (تتكون من مفهوم العالم ومن الحرفية، وحدة واحدة، حتى أن محاولات تعريف أسلوب بيكاسو في إثبات وجوده في العالم لابد أن تتناول في آن واحد مفهومه للعالم، وحرفيته بلا أي فاصل بينهما). وهكذا نشأ فنه من خلال انصهار العنصر المدرك أو العقلاني مع مبدأ إدراك الدوافع، ومهما يكن ذلك، إلا أن الفن التكعيبي هو توفيق بين الخارج والداخل مضافة إليها قصدية العودة إلى الأشياء واستعارة دلالة الواقع منها، وهذا يؤكد (استخدام بيكاسو للكلمات هو دلالة على الواقع، هذا ما يمكن قوله بشأن انطلاق الموضوع من الواقع، حيث لا توجد صورة آنية يمكن تقديمها كتعبير عن الإدراك الحسي أو بالأحرى عن مجموعة العناصر التي ترتبط بخيال الذاكرة, وقد يكون مبعث هذه العناصر هو مشاركتها دائماً على الخبرة المرئية)، إذ أنه يرسم باللون بما يماثل كتابة السيرة الشخصية لدى الآخرين، فيصف اللوحات المرسومة بأنها صفحات دفتره، وبذلك فهي تستند إلى الحقيقة التي تكوّن صورته مستقبلاً. وعندما درس "بيكاسو" الفن الزنجي، فإنه أعجب بالحرية المطلقة التي يتمتع بها الفنان، وأعلن أن الملاحظة الدقيقة هي توأم المخيلة الساطعة، وتتعاونان مع فلسفته المثالية في مجال البحث عن مظهر جديد يضيفه إلى الفنون الزنجية،

ومقولة بيكاسو "يجب ألا نبحث، بل يجب أن نكتشف" هي المعنى الحقيقي الذي قصده، وهو وضوح ما نعنيه ونريد إبرازه في يسر لأنه جزء من الحياة موجود في أيدينا وتحت أقدامنا. فالفنان التكعيبي أراد تحويل الرؤية الحسية الجزئية إلى رؤية بصرية شمولية من خلال سحب كل أجزاء الشيء (الموضوع) من الامتدادات الفيزيائية وتقديمها على سطح واحد بصيغة التراكب أو التراصف، مما جعل أجزاء الشيء متكافئة في القيمة وتنشيط علاقاتها البصرية والجمالية كافة في حدود شكل كلي جديد. فمثل هذه التشكيلات الجديدة تكفل للأشياء التعبير عن كوامنها الجوهرية.
أما "فيرناند ليجيه" (1881-1955) فيقول: "إني أرى أن أصح وضع للواقعية المثيرة لعواطفي وأحاسيسي، هي التي تتضمنها هذه الخصائص التشكيلية في الفن الذي يسمونه تكعيبيا، وخصائص هذا الفن هي الخطوط والألوان والتشكيل"، ويعبر "خوان كرس" (1887-1927) عن رأيه عندما يقول (انصرف سيزان إلى البناء المعماري وانصرفت أنا عنه، لأني أميل إلى التجديد، ودفعني هذا الميل إلى العناية بالأجزاء والمفردات بدلاً من مجرد الإحاطة بالشكل العام). وهذا يذكرنا بمقولة "ماتيس" عندما أشار إلى أن "بيكاسو يحطم الأشكال بينما أنا أخدمها" ويجيب "بيكاسو" "إنه أمر أقوى مني، أضيف وأختزل وأغير المكان، بينما "ماتيس" يدع الخط يأتي وحده يتكون ويعيد تكون النموذج، وعندي الرسم وأبحث عن اللون، و ماتيس لديه اللون ويبحث عن الرسم". أي أن الرسم لديه أفكار وليس تداعيات خطية ولونية مثلما لدى التعبيريين، ويقصد الفكرة الجوهرية الكامنة خلف الشكل الظاهري.
إن تضافر جهود " بيكاسو وبراك" على مستوى التنظير والتطبيق جعلت من الفن التكعيبي مؤثراً في تيارات الفن اللاحقة، مثلما أثرت فيهما تجارب ورؤى سابقة مثل "سيزان" ومما ينوه إليه الباحث أن "براك" يكوّن نظرة كانتية عن الواقع توصل إليها عن طريق سيزان ورسومه واصفاً إياها بالناتج النوعي الجديد من الجمال والمختلف عن جمال الطبيعة الذي سيكون أقرب إلى حقيقة الطبيعة من التجربة المباشرة للحواس. لقد حاول "سيزان" بطروحاته العملية وتجريبه على اللوحة أن يترك تأثيره في ما بعد في التكعيبية وتحديداً "بيكاسو وبراك" واتساق تلك الطروحات في الرؤى التي تنظر للعالم نظرة ميتافيزيقية من خلال تراكم الزمن الممتد. وأن التغيير في النظرة إلى العالم المرئي بين "سيزان" وتكعيبية المدة 1913-1914 له ما يوازيه في تاريخ الفلسفة، ويتمثل في الاختلافات بين أفكار برغسون وهوسرل. فقد أكد "برغسون" في بعض أعماله دور الامتداد الزمني في التجربة، ومع مرور الزمن يتراكم في ذاكرة المتلقي خزين من المعلومات الإدراكية حول شيء معين في العالم الخارجي المرئي، وتصبح هذه الخبرة التراكمية أساساً للمعرفة الحسية عن ذلك الشيء عند الشخص الملاحظ وتشبه هذه العملية مناهج سيزان والتكعيبيين في المدة 1908-1910. إن التحليل الظاهراتي للعمل الفني ينتهي إلى رؤية للموضوع الجمالي، كموضوع قصدي خالص على أساس من تحليل العمل الفني يفصل بين الإشارة ودلالتها (القصد)، ولما كان الموضوع الجمالي يتأسس على هذه القصديات فإنه يكون منفصلاً عن الواقعي، أي عن المحسوس، عن الإشارات والرموز نفسها، وبالتالي لا يكون له وجود مستقل وإنما وجود تابع للذات الذي تؤسسه، وهذا ما نجد صداه في "التكعيبية". وقد توازي العلاقة بين التكعيبية عند "بيكاسو وبراك" والعالم التجريبي المنهج المسمى (الاختزال التصويري Idetre Reduction) في عالم الظاهرات لدى "هوسرل"، ويصفه بكونه ملموساً ووصفياً كلياً وقائماً على الحدس، ويمكن استخدامه للوصول إلى جوهر الشيء، وتشمل هذه العناصر الجوهرية الماهيات مقارنة بالمفاهيم المثالية والتجريدية الهندسية كما يسميها "هوسرل" الذي أوضح نظرته من خلال أمثلة ملموسة من إدراك الصفات الجوهرية لمكعبات الزار.

نستنتج مما تقدم أن التكعيبية نزعت نحو الشكل الهندسي بوصفه حاملاً قوة روحية سعياً للحقيقة المثالية في محاولتها للجمع بين المنطقي والحدسي من حيث العودة للأشياء التي دعت إليها "ظاهراتية هوسرل" لمنح الأشياء والشكل نوعاً من الثبات في وحدة اندماجية بين ذات الفنان وموضوعه الخارجي، وهذا ما جعل التكعيبية تحتفي بأشياء الواقع و موجوداته في هذه العودة. كما أنها بحثت عن الحقيقة الجوهرية للشيء الذي يراد تمثيله دون الاقتصار على الوجه الخارجي العابر لهذه الحقيقة، وما هذا البحث إلا تأكيد قصدية الشعور التكعيبي التي تماثل الصيغة الاشتقاقية للكوجيتو الهوسرلي في دعواه الظاهراتية, وأن فعل القصد الذي يهدف إليه بيكاسو يتحكم في التقنية المستخدمة في الأعمال الفنية ومن الصعب الفصل بين القصد والتقنية. وأن التحليل الظاهراتي للعمل الفني ينتهي إلى رؤية الموضوع الجمالي بوصفه موضوعاً قصدياً، فضلاً على توازي العلاقة بين الاختزال التصويري في عالم الظاهرات لدى هوسرل وبين التكعيبية، إذ يقوم كلاهما على الحدس للوصول إلى جوهر الشيء.
الف ياء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://fonon97.yoo7.com
 
التكعيبية وجهة نظر جديدة في الرس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المركز العالي لتفنيات الفنون :: التخصصات والمشريع بالمركز :: قسم التصميم والطباعة والاعلان-
انتقل الى: