المركز العالي لتفنيات الفنون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 خطاب الفن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الورد الجورى
عضو فعال
عضو فعال
الورد الجورى


عدد الرسائل : 138
العمر : 40
تاريخ التسجيل : 04/12/2008

خطاب الفن Empty
مُساهمةموضوع: خطاب الفن   خطاب الفن Empty25/01/09, 10:12 am

حتى ماقبل قرن من الزمن، كان الرسام ذلك الكائن الوحيد القادر بفعل مهاراته الرفيعةعلى إعادة اكتشاف العالم في مشاهد بصرية. كانت لوحاته تأكيدا للجميل في الحياة والأشياء معا. تثير الإعجاب وترضي ذائقة تبحث عن مثالها في الواقع. إلا ان امتيازه الذاتي هذا لم يدم . فالحداثة التي قدمت مع أساليبها واتجاهاتها الفنية، منذ ذلك التاريخ قد أطاحت بهذا الإيثار. فللمرة الأولى تتحقق قطيعة محاكاة الطبيعة والعالم في العمل الفني.
لقد أضحت الأعمال الفنية مثيرة للدهشة، ليس بأثر موضوعاتها الأنيقة، بل بطرائق تكوينها وطبيعة خاماتها المستخدمة. إذ استجاب "الفن" تماما لسمة العصر القائمة على التعارض، وافترق عما يكون تمثيلا وتشبيها للمرئي بدافع تجاوزه. فيما "الفنان" بدا يسعى باتجاه دور آخر، لا يكتفي خلاله بالمهارة بل الاستعانة بالأفكار والتقنيات المختلفة والغريبة. كما كان الاهتمام كثيرا بالتجريب وإشكالية التفرد الأسلوبي. هكذا أصبحت تجارب الفن الحديث، تستعين بالخطاب، الذي تكفّل بدوره لتسويقها والإعلان عنها. مثل هذا الأمر كان استثناء في تاريخ الفن. فظهور تلك البيانات الفنية والوثائق والمقولات والكتابات التحريضية من الفنانين أنفسهم كانت لغرض البحث عن تصور جديد "للفنان" وأسباب مغايرة "للفن". وبضرورة أن كل فعل إبداعي يهدف للتغيير، لابد له من تفسير يصاحبه. كما ان الحداثة بطبيعتها النقدية، لا ترتضي امتثال الفن بوصفه خبرة نظام جمالي لعالم في حالة ثابتة. ولا "الفنان" في كونه ذلك الماهر في صناعة أوهام مرئية، جميلة، تضاهي مشهدية الواقع.
كان لابد إذا من وعي جديد، يختبر تطلبات أخرى، ويعيد تنظيم رؤيته للعالم، ويتغذى كذلك بدافعية خطابه، على تحولات تعبيرية وشكلية قائمة على نتاج الأثر التجريبي والتقني وماتحفل به هذه العملية، من غموض وتحولات، أصبح الفن من جرائها مغامرة مفتوحة بامتياز.
]



الحداثة والتجربة الجمالية


]


لم يعن هذا الأمر ان الحداثة قد وضعت الفن تحت إشكالية الفكر. قدر ما جعلت الخبرة الفنية تُدرك عن طريق رؤية تفكر لذاتها. ان فنانيها الواثقين من غموض تجاربهم وتجاوز مألوفية العمل الفني لديهم ، كانوا في ذات الوقت أيضا يجتهدون لغرض إثراء اتصالهم مع المتلقي، وتعويض عزلة الفنان وفنه، باقتراح توصيات عن التجربة كي يتم إدراكها بصورة دقيقة وتأسيس حس مشترك بين المنجز الإبداعي وجمهوره وإقامة حوار في الأسئلة التي يثيرها.
لقد أخذت مطالب الفن تأتي من ذاته، في ظل غياب تقليد التشخيص والتمثيـــل. فالخطاب أصبح بذلك ضرورة وصفة تنويرية تعاود رؤية التجربة الفنية وتدعو لمشاركتها مع العالم. إن البيانات الفنية والمقولات وكتابات الحداثة التي أوجدها الفنانون، لم تكن عروضا لمعان جميلة بشكل أدبي ، بل هي أيضا خطابات تعيد البحث عن علاقة ملائمة، تتوافق معها التجارب الطليعية الجديدة من اجل تجاوز ارتباك تفسيرها وتأكيد حضورها الجاد. إنها بمنزلة حوار يفترض استجابات ثقافية ومعرفية لدى المتلقي ودعوته لمشاركة فعالة مع التجربة البصرية.
ان تلك الوثائق والنظريات والبيانات لم تكن دفاعات مضللة، في محاولة نقل الاتجاهات الأسلوبية وتجاربها من مساحة الشك الى موقعا امينا، لغرض القبول بها، قدر ما كانت تفصح عن أفق مشترك وتنوع في تعاطي الفن مع الأفكار والتقنيات والتحولات التي أتى بها العالم الحديث وجعل الحساسية الجمالية وخيالها الفني أكثر أيمانا في الانتماء لهذا العالم
]


خطاب الفنان

أدرك الفنان أن من الضرورة ان يكون هناك خطابا يوازي اكتشافاته ومغامراته الأسلوبية. فالعمل الفني ليس منجزا فوريا وتلقائيا بل ممارسة تتحقق بأثر التفكير والتواصل. وهو أيضا نتاج ملاحظة وخبرة وتأمل وموقف من العصر. إن جرأة متفردة كهذه كان لابد لها من معنى لغرض تمايزها، كما إن الوعي بمهمتها لا يتأتى من الاكتفاء بمنجزات مرئية ورسوم تجريبية بل بإضافة البعد النظري للتجربة الفنية وإطلاق ثقافتها.
إن تاريخ الفن الحديث هو أيضا تاريخ خطاب فنانين وجماعات فنية. يكتب الفنان "ماتيس" – ملاحظات فنان عام 1908- لاستجلاء جمالية الاتجاه ألوحوشي الذي تزعمه ودعا إليه وبيان شروط التحول التي أصابت العمل الفني بعد أسلوب (ما بعد الانطباعية الجديدة). والأمر كذلك



]


]

مع " كاندنسكي" في اطروحاته النظرية ومؤلفاته والتي كانت قراءات فذة عن "التجريدية". كما كانت كتابات "كليه" بوصفها صياغات نظرية عميقة للتجريبية في الفن ، كماهناك الكثير من الأسماء في خريطة الفن الحديث والمعاصر عدا الكثير أيضا من بيانات الجماعات الفنية.
ذلك ما يعني ان الفنان استعار كذلك دور الباحث والمكتشف لتقاليد خاصة جديدة وحيّة في العملية الفنية، جاعلا بذلك الفعل الثقافي الذي يمارسه موضوعا يقابل التجربة الإبداعية ويفترض ضرورات حضورها. فالفنان غدا المفسر الأشد فطنة لها والأكثر أهمية في إيضاح خفاياها. في حين لم يعد الفن تمجيدا لذات الفنان وخبرته، بل اثر اتصال ورحلة باتجاه الآخر.


]


الدرس الفني

]

هكذا كان للفن الأوربي الحديث ومن ثم المعاصر، تاريخ خطاب جمالي ملهم رافق تنوعات رؤيته البصرية. أسس له فنانون هم ذاتهم من أحدثوا بدافعية معارفهم تحولاته الأكثر استثناء. ولكن ماذا عن سؤالنا الافتراضي وعن مدى إدراكنا لهذه العلاقة وأثرها في بناء الخطاب الجمالي، الذي رافق عديد الحركات التشكيلية عربيا وإقليميا.
تستوقفنا هنا بداهة تُعلمنا أن الثقافة الأولية للفنان لا يمكن لها ان تمنح كشوفات فاعلة في الفن وإضفاء التفرد على العملية الفنية. إلا أن قرينة كهذه لطالما أغفلتها تلك الحركات والفنان خلالها، حين عمّد تجربته عبر تضخيم الذات أكثر مما عمل عليها بواسطة الخطاب الثقافي، هذا الدور الذي تكفل به (الناقد) تماما. وهو الأمر الذي اخضع المشروع الجمالي لتلك الحركات تجارب استهلكها النقد ليس بالضرورة لنوعيتها. افترض أن إشكالية كهذه قد تسللت إلينا بفعل توارث خاطئ مارسه معلمو الفن في الدرس الأكاديمي، ادّعى ان مقاصد الفنان ومشاغله تتحدد أبدا في مهارة التمرس الأسلوبي، والبقاء ضمن معالجات المادة الفنية و صياغة أشكال جديدة، فيما يبقى التمرس الثقافي وخطابه له دورا مغايرا يزاوله الآخرون.
إن تركة تعليمية كهذه قد شكلت مفارقة ليس من اليسير تجاوزها في المشهد التشكيلي عندنا. بدءا لكوننا قد فهمنا أساليب فنون الحداثة والمعاصرة بوصفها أساليب فنانين عزل كانوا هم الأكثر جرأة في عصرهم. دون النظر في قراءتها عن طريق خطابها الجمالي الذي أوجدته معرفة جديدة تماثلت فيها مؤثرات حضارية وأبعاد انسانية وابداعية، بذات القدر من التحول الذي أصاب الجانب المديني والفكري.
وبذريعة هذا الفهم الملتبس انكرنا عن أنفسنا لاحقا خطابات جمالية وثقافية جادة لفنانين كانت تجاربهم ورؤاهم خلاصة تضافر ملهم بين المعرفي والإبداعي.
ومنجز (محمود صبري) مثال عن ذلك ..!. وبأثر هذا الإنكار أبقينا قراءات لا تدرك كثيرا جدوى تفسير التحولات التي بلغها الفن اليوم. كما إنها غير قادرة على ان تلهمنا رؤية نعاين فيها المنجز الجمالي بوصفه معرفة بالعالم والحياة معا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
خطاب الفن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المركز العالي لتفنيات الفنون :: التخصصات والمشريع بالمركز :: قسم التصميم والطباعة والاعلان-
انتقل الى: